حالة البلاد قبل عصر الدولة الحديث
ذكرنا فى موضع آخر كيف خضعت مصر نتيجة لضعفها لحكم الهكسوس الأجانب، ولكن
المصريين ما كانوا ليخضعوا لمحتل أجنبى، فقد قاوم المصريون بزعامة أمراء طيبة هؤلاء
المعتدين، واستشهد الكثير من أبناء مصر، حتى تمكن "أحمس" Ahmose I بطل
الاستقلال ومؤسس الدولة الحديثة من هزيمتهم وتشتيتهم. هكذا أعاد "أحمس"لمصر
اتحادها، وبدأ فجر عهد جديد زاهر، هو عصر الدولة الحديثة بقيام الأسرة الثامنة عشرة التى
أسسها "أحمس"قاهر الهكسوس.
حالة البلاد فى عهد الدولة الحديثة
كان فى غزو الهكسوس لمصر ثم طردهم عظة كبيرة للمصريين، فأنشئوا جيشاً كبيراً منظماً
لحماية البلاد من الطامعين، وتسابق أبناء مصر فى الالتحاق بالجيش بعد أن أدركوا أن
الانتساب إليه شرف. وتكونت لمصر أول إمبراطورية عرفها التاريخ، امتدت فى قارتى آسيا
وأفريقيا، من نهر الفرات شمالاً حتى الجندل الرابع جنوباً. كما تقدمت حضارة مصر فى
مجالاتها المختلفة من اقتصادية واجتماعية وفنية وعلمية وأدبية.
أشهر ملوك الدولة الحديثة وإنجازاتهم
1- الملكة حتشبسوت Hatshepsut:
هى أشهر ملكات مصر، امتاز عصرها باستقرار الأمن والسلام فى الداخل والخارج، فى
ظل جيش قوى ساهر، كما تميز عهدها بالبناء والنهوض بالفنون والتجارة. كانت
"حتشبسوت" تمثل دور الفراعنة من الرجال، فتخلت عن ألقاب الملكات، واستخدمت
ألقاب الملوك، ولبست زيهم فى الحفلات الرسمية. اتجهت سياسة مصر فى عهدها نحو قارة
أفريقيا، فأرسلت بعثة تجارية إلى بلاد "بونت" (الصومال الحالية)
رحلة حتشبسوت التجارية إلى بلاد بونت :
البحر المتوسط وساحل "فينيقيا"
فى العام التاسع من حكمها أرسلت الملكة "حتشبسوت" بعثة تجارية إلى بلاد "بونت"
مكونة من عدة سفن شراعية عبرت البحر الأحمر حتى وصلت "بونت"، فاستقبلها حاكم "بونت" وكبار رجالها، وقدمت البعثة الهدايا إليهم، ثم عادت محملة بكميات كبيرة من
الذهب والبخور العطور الأبنوس والعاج والجلود وبعض الحيوانات. صورت أخبار تلك
البعثة على جدران معبد الملكة "حتشبسوت" بـ"الدير البحرى" قرب "طيبة".
بعثة حتشبسوت إلى أسوان:
أيضاً صورت جدران "الدير البحرى" وصف بعثة أرسلتها "حتشبسوت" إلى محاجر الجرانيت عند أسوان لجلب الأحجار الضخمة، لإقامة مسلتين عظيمتين بمعبد الكرنك بالأقصر، لا تزال إحداهما قائمة حتى الآن، ويبلغ ارتفاعها حوالى 30 متراً.
2- الملك تحتمس الثالث Thutmose III
تميز هذا الملك من بين ملوك العالم القديم بالبطولات الرائعة التى سجلها له التاريخ، فقد
قام بسبع عشرة حملة فى آسيا، ثبت بها نفوذ مصر هناك، كما ثبت نفوذ مصر حتى بلاد النوبة
جنوباً. وإلى جانب قدرته الحربية تميز ببراعته السياسية، وبتشييد أروع الأبنية وأفخم المعابد.
معركة مجدو:
تعتبر هذه المعركة مثالاً لبراعة "تحتمس الثالث" الحربية. كان أمير مدينة "قادش" السورية
يتزعم حلفاً ضد مصر، فصمم "تحتمس الثالث" على تأديب ذلك الأمير، وخرج بجيشه
(100000 جندى) حتى وصل إلى شمال فلسطين، وسار فى طريق ضيق حتى يفاجئ العدو منه،
ثم نزل سهل "مجدو"، فحاصرها "تحتمس الثالث"، ولم يعد إلى مصر إلا بعد أن أعاد النظام
والاستقرار إلى جنوب سوريا.
براعة تحتمس الثالث الإدارية والسياسية:
استدعى "تحتمس الثالث" أبناء أمراء الأقاليم الآسيوية إلى مصر، ليعلمهم بها العادات
والتقاليد المصرية، ويثقفهم الثقافة المصرية، ويغرس فى نفوسهم حب مصر، حتى إذا ما عادوا
إلى بلادهم وتولوا مقاليد الحكم فيها، اصبحوا من أتباعه المخلصين. وكان لهذه السياسة
الحكيمة أثرها فى تماسك الإمبراطورية المصرية ونشر الثقافة المصرية. أيضاً اهتم "تحتمس
الثالث" بإنشاء أسطول حربى قوى، استطاع به أن يبسط سيطرته على الكثير من جزر
3- الملك أمنحتب الرابع (إخناتون( Akhenaton or Ikhnaton
تولى الحكم بعد وفاة أبيه "أمنحتب الثالث" وعمره لا يزيد عن 16 عاماً، وتزوج من
"نفرتيتى" Nofretete or Nefertiti المشهورة فى التاريخ، ولم يكن مهتماً بأمور
السياسة والحرب، ولكنه انشغل بأمور الدين. لم يرض "أمنحتب الرابع" عن تعدد الآلهة فى
الديانة المصرية القديمة، ورأى أن جميع الآلهة ليست إلا صورة متعددة لإله واحد، فنادى بعقيدة
دينية جديدة تدعو إلى عبادة إله واحد هو "آتون" الذى يمثل القوة الكامنة فى قرص الشمس،
ومثله بقرص تخرج منه أشعة تحمل الحياة والنور إلى الأرض وما عليها.
غيّر "أمنحتب الرابع" اسمه إلى "أخناتون" وأتخذ له عاصمة جديدة هى "أخيتاتون" وموقعها "تل العمارنة" بمحافظة المنيا، وذلك لكى يبعد عن "طيبة" مقر كهنة الإله "آمون". ونتيجة لذلك ثار كهنة الإله "آمون" والآلهة الأخرى ضد "أخناتون"، وبرغم ذلك احتل اسم "أخناتون" مكاناً بارزاً بسبب تلك الثورة الدينية التى قام بها ضد تعدد الآلهة
. 4 -الملك توت عنخ آمون Tutankhamen or Tutankhamun
تولى الحكم بعد "أخناتون"، واتخذ "طيبة" عاصمة للبلاد من جديد وفى عهده ازداد نفوذ كهنة "آمون". ترجع شهرة "توت عنخ آمون" إلى اكتشاف مقبرته كاملة عام 1922 فى
"وادى الملوك" بالبر الغربى للأقصر، تلك المقبرة التى حوت روائع فنية وكنوزا أثرية ليس
لها مثيل، والتى تدل على ما وصلت إليه الفنون المصرية من تقدم. والآن تعرض محتويات
مقبرة "توت عنخ آمون" فى المتحف المصرى بميدان التحرير بمدينة القاهرة.
5- الملك رمسيس الثانى Ramses II
هو من أشهر ملوك الأسرة التاسعة عشرة. بدأ "رمسيس الثانى" عصراً جديداً سُمى "عصر
الإمبراطورية الثانية"، وعمل على إحياء النفوذ المصرى فى بلاد الشام الذى كان قد ضعف
بعد ثورة "أخناتون" الدينية. وتعتبر حروبه آخر المجهودات الحربية التى بذلها ملوك الدولة
الحديثة.
معركة قادش:
قام ملك الحيثيين بعقد محالفات مع أمراء المدن السورية ضد مصر، فأعد "رمسيس الثانى"
جيشاً بلغ 20,000 مقاتل، وسار الجيش مخترقاً شبه جزيرة سيناء وفلسطين، والتقى بالحيثيين
وانقض عليهم وهزمهم شر هزيمة. اضطر ملك الحيثيين بسبب هزيمته إلى طلب الصلح،
ووافق "رمسيس الثانى".
أقدم معاهدة دولية فى التاريخ:
عاود ملك الحيثيين بعد معركة قادش إثارة الاضطرابات مرة أخرى ضد مصر فى بلاد الشام، فحاربه "رمسيس الثانى" واستمرت الحرب مدة خمسة عشر عاماً إلى أن طلب ملك الحيثيين الصلح. عقدت بين "رمسيس الثانى" وملك الحيثيين معاهدة تحالف وصداقة تعهد فيها كل منهما للآخر بعدم الاعتداء، وإعادة العلاقات الودية، ومساعدة كل منهما للآخر فى حالة تعرضه لهجوم دولة أخرى. وتعد هذه المعاهدة أقدم معاهدة دولية مكتوبة فى التاريخ. ومن نصوص هذه المعاهدة: "لا تسمح الآلهة بعداء بين البلدين، لن يعتدى عاهل خيتا على أرض مصر …، ولن يعتدى رمسيس على أرض خيتا
نهاية الدولة الحديثة
بعد انتهاء حكم الملك "رمسيس الثالث" ضعفت البلاد نتيجة لضعف الملوك وتدخل كهنة
"آمون" بطيبة فى شئون الحكم، وتعرضت البلاد للأخطار الخارجية. استطاع كبير كهنة الإله
"آمون" تولى الحكم وأن يعلن نفسه ملكاً، وبذلك انتهى عهد الدولة الحديثة عام 1085 ق.م
يقول أحد المؤرخين عن قوة مصر فى زمن الملك "تحتمس الثالث": "لا توجد هناك قوة فى
بلاد الشرق الأدنى تستطيع أن تواجه الجيش المصرى الذى نال تدريباً عسكرياً ممتازاً، وفاز
بقيادة ملك عبقرى هو فرعون مصر العظيم …".