طيلة التاريخ ظلت منطقة نينوى حلقة الوصل التي تربط العراق بمنطقة الشام وعموم البحر المتوسط. فمن خلال نينوى ومنذ القرن الأول الميلادي بدأت المسيحية السورية الفلسطينية تنتشر في شمال النهرين وباقي العراق حتى أصبحت في القرن الثالث الميلادي ديانة الأغلبية الساحقة من السكان.
وانتشرت الكنائس والأديرة النسطورية حتى الأحواز والبحرين وقطرايا ( إمارة قطر الحالية ) . تميزت المسيحية العراقية منذ البداية بأنشقاقها عن الكنيسة البيزنطية وتبني مذهب ( نسطور ) الذي اصبح مذهب الكنيسة العراقية التي سميت رسيما
بـ ( كنيسة بابل ) ، ولكن المؤرخون يسمونها ايضا بـ (كنيسة فارس) بأعتبار العراق كان خاضعا لفارس . مع هذه الاغلبية المسيحية النسطورية التي تضاهي حوالي 90 % من السكان مع اقليات من المذهب اليعقوبي السوري واليهود والصابئة والمذهب المانوي البابلي. اما نينوى فقد كثر فيها ايضا اتباع المذهب المسيحي الشامي ( اليعقوبي) بحكم علاقتها الخاصة مع الشام. قصر الاخيضر من فترة الحضر وهي سلالة عربية بثقافة آرامية. وقد بدأت الموصل الواقعة على الضفة الشرقية من دجلة تبرز بعد سقوط نينوى لموقعها المهم الذي يصل بين عدة أقطار، وهذا الموقع نفسه سبب للمدينة ويلات ومصائب عديدة، فقد كانت ساحة للحروب التي استعرت نيرانها بين الدولة المتنافسة على احتلال بلاد النهرين، فكانت الجيوش تكتسحه فتدمر ما به. وفي عهد كسرى الأول أنوشروان 521 / 579 م كانت الحرب سجالا بين الروم والفرس فأغار الروم وخربوا الموصل، وفي عهد كسرى أبرويز بن هرمز 579 / 590 م اهتم بتعزيز موقع الموصل. فبنى فيها حصنه وعدد من الدور، وأتى ببعض الفرس وأسكنهم فيها فتوسعت المدينة وكانت من معاقل الفرس القوية التي تصد زحف الروم عنها. وقد لاقت الموصل اهتماما كبيرا من أردشير وسميت باسمه "نيو أردشير " أي أردشير الجديدة وأما الكتبة الآراميون فكانوا يسمونها "حصن عربايا" أي الحصن الغربي ( عربايا أي غربايا). - المرحلة العربية الاسلامية وشيوع اسم الموصل الآرامي: مت شيوع تسمية (الموصل) كذلك اطلق العرب عليها تسمية"خولان" كما كانوا يطلقون عليها الحصنين. وقد تم الفتح الإسلامي للموصل في عام 16هـ / 637 والقبائل التي اشتركت في الفتح هي (تغلب وأياد والنمر) بقيادة ربعى بن الأفكل العنزي. وقد كانت هذه القبائل منتشرة بين تكريت والموصل ، وقد سكن قسم من هذه القبائل الموصل بعد الفتح، والقسم الكبير منها استمر في الزحف على البلاد المجاور وخاصة أذربيجان وأرمينيا. وفي عام 17هـ / 638 م عين الخليفة عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي واليا على الموصل وهو الذي بنى المسجد الجامع، والى جانبه دار الإمارة، وكان بها أحد الأجناد الستة التي جندها وجعلها تابعة للكوفة. وعين الخليفة عثمان بن عفان "عرفجة بن هرثمة البارقي" اميرا على الموصل فقام بتوسيعها وتعميرها، فاختط منازل العرب فيها، ووسع الجامع الذي كان قد بناه عتبة بن فرقد السلمي. وفي عهد الامام علي ابن أبي طالب زادت الهجرة الى الموصل من الكوفة و البصرة. وانقضى عهد الراشدين، والموصل في توسع دائم حتى صارت من أمهات أمصار الجزيرة وبلغ خراجها في خلافة معاوية ابن أبي سفيان أربعة ملايين درهم. واهتم الأمويون بالموصل كثيرا نظرا لأهميتها الحربية والتجارية فكانوا يولون عليها أقدر الولاة وأحزمهم، وكثيرا ما كانوا يولون عليها من ثبت عندهم حبه للإصلاح والعمران. وقد سكن الموصل من الخلفاء الأمويين هشام بن عبد الملك، وذلك قبل أن يولى الخلافة، فبنى له قصرا في ربطها الأسفل، وزرع النخيل والأثمار حوله، وبقي القصر إلى ما بعد سقوط الدولة العباسية، فأقطعه أبو جعفر المنصور السحاج بن وائل الأزدي الذي ساعدهم على الأمويين. وقد توالى على الموصل عدد من الولاة زادوا في خطتها، فقد أحاط سعيد بن عبد الملك الموصل بسور ورصف طرقها بالحجارة، وبنى بها مسجدا عرف بـ"مسجد عبيدة" نسبة إلى مؤذنه، كما بنى فيها سوق سعيد. ثم ولى عبد الملك أخاه محمد بن مروان الموصل، فجدد سور الموصل، وربما أكمل السور الذي بناه ابن أخيه سعيد، أو أنه وسعه في الأماكن التي توسعت إليها المدينة. وفي عام 106-113هـ / 724 -731م تولى الموصل الحر بن يوسف الأموي الذي وجد نهر دجلة بعيدا عن المدينة، وأن السكان يلاقون عناء ومشقة في نقل الماء، فشق نهرا من قرب دير مار ميخائيل، وسيره محاذيا للتلال التي تطل على حاوي الكنيسة، وأجراه تحت المدينة في مجرى دجلة الحالي، بدأ بهذا العمل عام 108هـ / 726 م واستمر به العمل إلى عام 115هـ / 733 م فأتم فتحه الوليد ابن تليد العبسي وأراح الناس وعرف بـ"نهر الحر"، ورصفوا شارعا محاذيا لمجراه، وغرسوا على جانبيه الأشجار، فكان أهل المدينة يتنزهون به في الأمسيات، وبنى الحر قصره المعروف بالمنقوشة. وكان من القصور المشهورة، بناه عام 106هـ / 724 م، وهو قصر منقوش بالساج والرخام الأبيض المصقول والفصوص الملونة والفسافس. وكان من أجمل القصور في زمانه، وبقي القصر إلى القرن السابع الهجري. ثم تولاها مروان بن محمد مرتين (إحداهما 102- 104هـ / 720 - 722م والثانية 126- 127هـ / 743 - 774م وكان أول من عظم الموصل وألحقها بالأمصار العظام، وجعل لها ديوانا يرأسه، ونصب عليها جسرا، ونصب طرقاتها وبنى عليها سورا، وهدم المسجد الجامع ووسعه وبنى له منارة، وأحاطه بأسواق، فكانت أسواق الموصل الرئيسية حوله. وعلى هذا فقد صارت الموصل قاعدة بلاد الجزيرة بعد أن كانت مدينة تابعة للكوفة. وفي العصر العباسي الأول نكبت الموصل على أثر ثورة أهلها على الوالي محمد بن صول سنة 133هـ / 750 م ففتك بها العباسيون فتكا ذريعا، حتى أن أسواقها بقيت معطلة عدة سنين، وكان هذا على يد يحيى بن محمد أخي السفاح. وفي عام 133هـ / 750 م ولى المنصور عليها عمه إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس، ولما دخل البلد وجدها بحالة يرثى لها، فجمع الناس وخطبهم ووعدهم بحسن السيرة فيهم بأن يرد عليهم المظالم، ويعطيهم ديات من قتلهم يحيى، وكتب إلى المنصور يعلمه بسوء حال البلد وخراب ه. فكتب إليه المنصور أن أرفق بالناس وتألفهم. فأخذت المدينة تستعيد مركزها الاقتصادي حتى بلغت جبايتها في خلافة هارون الرشيد 24.000.000 درهم و(20.000) رطل عسل. مع العلم بأن المهدي كان قد خزل منها كورة دراباذ وكورة الصامغان. ومع أن المعتصم خزل منها أيضا كورة تكريت وكورة الطيرهان فإنه بلغ ما كان يجبى منها ومن أعمالها في خلافته ( 6.300.000 ) دينار كان هذا في الربع الأول من القرن الثالث الهجري. وفي أواخر القرن الثالث للهجرة /التاسع الميلادي ملكها بنو حمدان، وهم سلالة عربية شيعية، فاهتموا بالزراعة كثيرا، فغرسوا فيها الأشجار،وكثرت الكروم وغرست الفواكه، وغرست النخيل والخضر، وكانوا يعنون بزراعة القطن والأرز والحبوب. وبلغ خراج الحنطة والشعير فيها خمسة ملايين درهم. وخلف العقيليون الحمدانيين في حكم الموصل سنة 368- 486هـ / 979 - 1093م وخلال مدة حكمهم تنازعوا فيها على الحكم وسبب هذا تأخر المدينة عما كانت عليه. ثم انتزع السلاجقة منهم البلاد، وزادت الاضطرابات والحروب بين أمرائهم على الحكم ولاقت المدينة ويلات كثيرة ومصائب، فتأخرت فيها التجارة وقلت المزروعات وهجر قسم كبير من سكان الموصل مدينتهم، وهكذا تقلصت عما كانت عليه، حتى استولى الخراب على أكثر أحيائها. وفي رمضان من عام 521هـ / 1127 م تسلم القائد التركي الشهير عماد الدين زنكي الموصل وبدأ بذلك العهد الأتابكي لحكم الموصل- ولما تسلم عماد الدين الموصل أقام بها يقرر أمرها ويصلح قواعدها وكانت الموصل هي المركز بالنسبة إليه فانطلق منها ليوسع دولته خاصة بعد أن وجد البلاد المقسمة بين الأمراء وكل واحد منهم قد استأثر بولايته لا يهمهم من أمر البلاد سوى جمع ما يقدر على جمعه من أي طريق كان، كما استفحل خطر الصليبيين واحتلوا أكثر البلاد السورية ووصلوا إلى أسوار حلب فحشد عماد الدين جيوشه وبدأ بأمراء الأطراف ثم سار إلى حلب فاستبشر به أهلها خاصة لما كانوا يقاسونه من النزاع بين الأمراء فضلا عما يصيبهم من مضايقة الصليبيين لهم حتى كانوا يقاسمونهم في بعض محاصيلهم، ثم توجه إلى حماة فاستولى عليها عام 524هـ / 1130 م، ثم التفت إلى ما جاوره من حصون الفرنج فهاجمهم ودخل معهم في معارك كبيرة كان فيها مؤيدا من الله بالنصر العظيم عليهم فهابه الفرنجة، وأصبح أعظم قائد في الهلال الخصيب، وصار ملكه يمتد من شهرزور( السليمانية حاليا) شرقا،إلى قرب سواحل سورية غربا ومن آمد وديار بكر وجبال الأكراد الهكارية والحميدية شمالا إلى الحديثة جنوبا. - المرحلة العثمانية ودور اسرة الجليلي: وفي عهد العثمانيين كانت الموصل إحدى الولايات التابعة للخلافة العثمانية وقد تمكنت في حكمها المحلي والإقليمي الأسرة الجليلية1136- 1249هـ / 1724 - 1834م التي تنتمي إلى مؤسسها عبد الجليل. وبرز من هذه العائلة اسم الوزير الحاج حسين باشا الجليلي 1108-1171هـ / 1697 -1758م، وهي اسرة مسيحية موصلية معروفة لحد الآن، اعتنقت الاسلام فيما بعد. وقد لعبت هذه العائلة دورا متميزا من خلال الخدمات العسكرية التي قدمتها للدولة العثمانية ضد الفرس وخصوصا نادر شاه ، وقاد هذا الوزير انتصار الموصل على نادر شاه ومنع بذلك امتداد إيران الأفشارية في السيطرة على العراق ثم الشام. وقد اكتسب الوالي الجليلي لقب "بطل الحصار". فثبت من خلال عمله الاستراتيجي موقع أسرته المحلية سياسيا وإداريا في حكم ولاية الموصل لفترة تقترب من قرن كامل في التاريخ الحديث للعراق. وكان من أبرز أبناء الأسرة الجليلية الوزير محمد أمين باشا الذي منح لقب "الغازي" نظرا لاشتراكه في الحرب العثمانية - الروسية عام 1184هـ / 1770 م كسردار للجيوش العثمانية، وقد أسر من قبل الروس، وفك أسره بعد حوالي خمس سنوات، فقابل السلطان عبد الحميد الأول 1180-1203هـ / 1774 - 1789م الذي وكل إليه مهمة تعديل نظام العراق وولاه عليه ولكنه توفي سنة 1181هـ / 1775 م، قبيل الشروع بمهمته الكبرى. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقعت الموصل تحت الاحتلال الفرنسي وظلت كذلك تحت الحكم الفرنسي حتى نالت العراق الاستقلال، وهي الآن مدينة من أهم المدن العراقية التي تحظى بمكانة عالية. - المناطق التاريخية والمعالم الآثارية والدينية لمحافظة نينوى: ـ الحضر: تبعد عن مدينة الموصل 115 كم في الجنوب الغربي. وهي من المناطق التاريخية المشهورة في الموصل وقد نشات في القرن الاول ق.م كحصن منيع في الجزيرة لحماية القوافل التجارية ، وكان اول حكامها امير عربي يدعى - سنطروق - وقد كان لقبه ملك العرب واسم ابيه - نصر - الكاهن الاعظم . علما بأن اللغة الآرامية هي لغة اهل حضر. وهذا ربما يؤكد الفرضية القائلة بأن تسمية عرب لم تكن تسمية عرقية قومية بل مناطقية ، فأن أول من أطلقها هم أهل نينوى على االقبائل الآرامية المتنقلة في البادية الغربية. فكلمة عرب نفسها كلمة غرب، ولا زال اهل العراق يسمون سكان اعالي الفرات بـ (الغربية) مقابل ( الشرجية او الشروكية) أي اهل الجنوب الشرقي. اكمل هذا الملك بناء معبد شمس الذي هو اعظم المباني في المدينة وجاء وصفها آنذاك بانها مدينة كبيرة ذات اسوار عالية وقد دامت فترة عزها من 100-300 بعد الميلاد .